مفقودات في زحمة الحياة
نحن في زمنٍ يتسمُ بالزحام .. وكأنّ الناس قد اجتمعوا على رزقٍ واحدٍ
يسابقُ بعضهم بعضاً للحصول عليه
وجوهٌ كثيرة تتدافع وتتزاحم .. يدفع أحدهم الآخر دون مبالاة
في زحام الحياة تُطوى الأيام والسنين
ونفقد أشياء كانت تتمتّعُ بها الأجيال السابقة
وتضيعُ منا في زحمة الحياة
فقدنا الابتسامة
التي تشرح النفوسَ وتؤلفُ القلوب
وتجدّد الطاقة وتمنحُ الشعورَ بالرضى
أصبحت الوجوه عابسة وكأن الجميع لم يعد لديهمُ الوقتُ للابتسامة
ونسينا في هذه الزحمةِ أنّ هناك من يحتاجُ منا للابتسامة
فلنبتسم للوالدين .. لنشعرهما بالسعادة
ولنبتسم للطفل .. لنزرع فيه الأمل
ولنبتسم للأصدقاء .. ولمن عرفنا .. ومن لم نعرف
ولنتذكر قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم :
( تبسّمكَ في وَجهِ أخيكَ صَدقة )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ )
رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم :
( لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلِق)
رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
فلنحرص على ألاّ تُفقدنا زحمة الحياةِ الابتسامةَ الغالية
التواصل ..
من ضمن تلكَ المفقودات الغالية التي فقدناها في زحمة الحياة التواصل وصلة الرحم
فالتسويفُ وتزاحمُ الأعباء يأخذنا إلى دروبِ القطيعة
فلا نكادُ نتواصل إلا في المناسبات الكبرى
وقد تأخذنا الزحمة ولا نجدُ الوقتَ للتواصلِ حتى في الأفراح والأتراح
متناسين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
( أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ، ثم صلة الرحم ،
ثم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
و أبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ، ثم قطيعة الرحم )
حسّنه الألباني في صحيح الجامع
( الرحم شجنة من الله من و صلها وصله الله ، و من قطعها قطعه الله )
صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد
التكاتف الاجتماعي ..
في زحمة الحياة أصبح كلٌّ منا يعيش غربةً في وسط الزحام
فلم يعد الجارُ يعرف جاره .. ولم يعد اليتيم يجد من يحنو عليه ويتفقد أحواله
ولم يعد للضعيف من يحتمي به .. ولا للفقير من يعطيه دون سؤال
أصبح الكلّ مشغولٌ بنفسه .. ملتهٍ بحاله ..
ليس لديه الوقت للنظر في أحوال منهم حوله
أصبح همه الوحيد العراكَ في زحمة الحياة
متناسٍ بذلك توجيهات النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى )
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن مجاورة من جاوره )
عيادة المريض ..
يظلّ أحدنا حبيس فراش المرض أياما طويلة .. يعاني فيها من المرض
و يزيد من طولها مراقبته لباب حجرته
لعل قريباً أو صديقاً أو جاراً يأتي ليواسيه ويسليه ويؤنسَ وحشته ..
لكنهم جميعا قد شغلتهم الحياة بزحمتها خاسرين الأجر العظيم الذي كانوا سينالونه من زيارة المريض ..
عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتي يمسي، وإن
عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتي يصبح، وكان له خريف في الجنة )
رواه الترمذي وقال: حديث حسن
في زحمة الحياة فقدنا أشياء كثيرة
وإن لم نتوقف قليلا للنظر في استعادة تلك المفقودات
فسنفقدُ الكثيرَ والكثيرَ منَ الأشياء الغالية في
حياتنا