" فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضّلتُ على الأَنْبِيَاءِ بِسِتَ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرّعْبِ، وَأُحِلّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافّةً، وَخُتِمَ بِيَ النّبِيّونَ".
فأولى هذه الخصائص قوله صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ"؛ "جوامع الكلم" هي: العبارة القليلة الألفاظ، الجامعة لمعانٍ كثيرة وقواعد عظيمة في أمور الدين، وجوامع الكلم التي خُصّ بها النبي صلى الله عليه وسلم نوعان: أحدهما ما هو في القرآن كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ}؛ فلم تترك هذه الآية خيرا إلا أمرت به ولا شرّا إلا نهت عنه، والثاني ما هو في كلامه صلى الله عليه وسلم؛ مثل قوله: "لا ضرر ولا ضرار"، وقوله: "الدين النصيحة"، ومثل قوله أيضا: "مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد".
فهذه أقوال وألفاظ موجزة، لكنها تشمل أمورا عظيمة جدا يستدلّ بها في أبواب كثيرة، وتُستخرجُ منها مسائل كثيرة جدا، مع أنها ألفاظ موجزة.
وثاني هذه الخصائص قوله: "وَنُصِرْتُ بِالرّعْبِ"؛ نصرت بالرعب أي الفزع يُلقى في قلوب الأعداء، والمعنى أن الرسول إذا عقد لواء جيش من الجيوش قذف الله تعالى في قلوب أعدائه الرعب قبل أن يُحاربهم، ولو كان على مسيرة شهر منه صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: "وَأُحِلّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ"؛ حيث كان الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا عدوا لهم فغنموا منه؛ كانوا يتركونها في العراء حتى تهلك؛ فأحلّ الله لرسوله ولأمته الغنائم يُقسّمونها ويتمتّعون بها؛ ولهذا يقول الرسول الأكرم: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي"؛ فكان صلى الله عليه وسلم يسترزق مما يقبضه من الغنائم التي أحلّها الله له من قتال الكفار.
أما الرابعة: "وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً"؛ كان الأنبياء من قبل رسول الله لا يصلّون إلا إذا بلغوا الكنائس أو المعابد، ولكن الله خفّف عن هذه الأمة؛ حيث إن لها عموم الأرض باستثناء المقابر والزابل والمجازر وأعطان الإبل وقارعة الطريق والحمّام؛ فلم يكن في أي ملة من الملل تخفيف من الله عز وجل مثل هذا، وهذا دليل على أن هذا الدين دين رحمة للعالمين.
والخامسة: "وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافّةً"؛ أرسل رسول الله إلى الناس كافة منذ بعثته إلى يوم القيامة؛ حيث كان كل نبي يُرسَل إلى قوم محدّدين ولزمن محدّد تنتهي رسالته عنده, ولكنّ محمدا أُرسل إلى أهل الأرض جميعا في جميع الأمكنة وفي جميع الأزمنة, إلى أن أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
أما السادسة: وَخُتِمَ بِيَ النّبِيّونَ"؛ حيث إنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.