الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ المُرسلين ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين .
]وبعـد ؛
الكنوزُ في هذه الدنيا
كثيرة ، منها ما يُقدَّرُ بثَمَن ، ولا يستطيعُ الجميعُ امتلاكَه ، فيشتريه
القليل ، ومنها ما لا يُقدَّرُ بثَمَن ، لِغُلوِّه وعُلوِّ قيمتِه ، ومع
ذلك يستطيعُ الجميعُ امتلاكَه .. فمِثالُ الأول : الذَّهَب - الفِضَّة - الألماس - البترول ... ومِثالُ الثاني : العُمر - الشَّباب - الصِّحَة - العِلم - الوقت .
والكَنـزُ الثَّمين الذي أدعـوكم لعـدم التفريطِ فيه ، هـو " الوقت " ، وهو كَنـزٌ واحِـدٌ ، لكنَّه يحوي كنوزًا كثيرةً بداخله .
الوقـتُ .. عُمرَ الإنسان .
الوقـتُ .. أنفاسٌ وحركات .
الوقـتُ .. ساعاتٌ وأيَّام .
الوقـتُ .. ابتساماتٌ وضحكات .
الوقـتُ .. همَساتٌ وكلمات .
الوقـتُ .. قصصٌ وحِكايات .
الوقـتُ .. بُكاءً وعَبَرات .
الوقـتُ .. لهوٌ ولَعِب .
الوقـتُ .. فِكرٌ وذِكر .
الوقـتُ .. تسبيحٌ وشُكر .
الوقـتُ .. حُبٌّ وكُره .
الوقـتُ .. سعادةٌ وفَرَح .
الوقـتُ .. أحزانٌ وآلام .
الوقـتُ .. غَضَبٌ وضِيق .
الوقـتُ .. صديقٌ ورفيق .
الوقـتُ .. ليلٌ ونهار .
الوقـتُ .. شمسٌ وقمر .
الوقـتُ .. لحظاتٌ تَمُرّ ؛ بعضُها يَسُرّ ، وبعضُها يَضُرّ .
الوقـتُ .. خيرٌ وشَرّ .
الوقـتُ .. عُقوقٌ وبِرّ .
الوقـتُ .. هلاكٌ وضياع .
الوقـتُ .. نجاةٌ وحياة .
الوقـتُ .. دُروسٌ وعِبَر .
الوقـتُ .. فوائِدُ ودُرَر .
الوقـتُ .. طريقٌ للجِنان أو حبلٌ مِن حِبال الشَّيطان .
الوقـتُ .. غنيمةٌ لِمَن ملَكَها ، وحافظَ عليها ، ولم يُضَيِّعها .
الوقـتُ .. كَنـزُ الكُنـوز ؛ مَن فرَّط فيه هلك ونَدِم ، ومَن حافظَ عليه نجا وسَـلِم .
وللوقتِ أهميةٌ قُصوَى ، وفوائِدُ عُظمَى ، لذا فقد أقسم اللهُ تعالى به في عِـدَّةِ آياتٍ مِن كتابه الكريم ، مِن ذلك : ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ الفجر/1-2 ،، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ الليل/1-2 ،، ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ الضحى/1-2 ،، ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ العصر/1-2 .
وللأسف ، فكثيرٌ مِن الناس فرَّطُوا في
أوقاتِهم ، وأساءوا استغلالَها ، وضيَّعُوها فيما لا طائِلَ مِن ورائِه ؛
فشغلوها بلهوٍ ولَعِب ، وإسرافٍ وتَرَف ، وسَهَرٍ أمام القنوات ، ومُتابعةٍ
للفضائيات ، ودخولٍ للمواقع السيئةِ والإباحيَّات ، فكان التِّلفازُ
صديقَهم ، وكان الانترنتُ رفيقَهم ، تشدّهم المُسلسلات ، وتجذبهم الأغنيات ،
والشَّيطانُ يُوسوِسُ لهم ، ويُغويهم ، حتى يُوقعَهم في الرذيلة ، فيألفون
المُحرَّمات ، وينسون أنَّهم مُحاسبون على الأوقات ، وعلى كُلِّ ما
يَمُرُّ بهم في حياتِهم مِن لحظاتٍ وساعات ، ولا يزدادونَ مِن اللهِ إلاَّ
بُعـدًا .
الوقتُ أَنْفَسُ ما عَنَيْتَ بِحِفظِهِ .. وأراهُ أَسْهلَ ما عليكَ يَضيعُ
ورغم أهمية الوقت ، إلاَّ أنَّه لا
يُمَثِّلُ شيئًا عند الكثير مِن الناس ، فلا يعبأونَ به ، ولا يُفكِّرونَ
فيه ، حتى يأتىَ اليومُ الذي يندمون فيه على ذلك .
والوقتُ هو رأسمال الإنسان ، وهو عُمره الحقيقىّ ، وأغلى ما يملكُ في هذه الدنيا .
يقولُ ابنُ القيم رحمه الله : ‹‹ فوقتُ
الإنسان هو عمُره في الحقيقة ، وهو مادةُ حياته الأبدية في النعيم المقيم ،
ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يَمُرُّ مَرَّ السحاب ، فما
كان من وقتٍ لله وبالله فهو حياته وعُمره ، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته ،
وإن عاش فيه عيشَ البهائم ، فإذا قطع وقتَه في الغفلةِ واللهو والأماني
الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير من حياته ›› .
نعم ، فكُلُّ لحظةٍ تَمُرُّ مِن الوقت تُنقِصُ مِن أعمارنا ، وتُباعِدنُا عن هذه الدنيا ، وتُقرِّبُنا مِن قُبورنا .
والوقتُ إمَّا أن يكونَ عـدوًا لدودًا أو صديقـًا وَدودًا .
كيف ذلك ...؟!
إذا أحسَنَّا استغلال الوقتِ فيما
يُفيدُ ويعودُ علينا بالنَّفع في الدنيا والآخرة ، كان الوقتُ صديقًا لنا ،
وكان سببًا في فَرحِنا واستبشارِنا ، وكانت أعمالُنا وما قدَّمناه فيه في
موازين حسناتِنا .
أمَّا إذا
أسأنا استغلالَه وضيَّعناه فيما لا يُفيد ، كان عـدوًا لنا ، وعاد علينا
بالضَّررِ في الدنيا والآخرة ، وكانت كُلُّ لحظةٍ منه في موازين السيئات .
وقد قيل عن الوقـت :
" الوقتُ كالسيف ، إنْ لم تقطعه قطعك "
وهـذه مقولةٌ أراها صحيحة . بل إنَّ الوقتَ أحـدُّ مِن السَّيف . فإذا ذهب لا يعود ، وإذا مَرَّ لم يمكن استرجاعُه .
و " الوقتُ مِن ذهب "
.. بل إنَّه أغلى مِن الذهب ، لأنَّ الذهب بإمكان الإنسان أن يشتريه ،
وإذا ضاع منه فبإمكانه استرجاعه أو تعويضه ، أمَّا الوقتُ فلا ، لأنَّ
كُلَّ لحظةٍ منه تذهب لا يمكنُ أن ترجِعَ أبدًا ، فلا يمكنُ تدراك ما فات
منه أو مُحاولة تعويضه .
ونحنُ مُحاسَبون على أوقاتنا في الآخرة ، يقولُ نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( لا
تزولُ قدما عبدٍ يومَ القِيامةِ حتى يُسألَ عن أربع : عن عُمُره فيمَ
أفناه ، وعن عِلمهِ ماذا عَمِلَ به ، وعن مالِه مِن أين اكتسبه ، وفيمَ
أنفقه ، وعن جِسمهِ فيمَ أبلاه )) صحَّحه الألبانىّ .
والوقتُ نِعمةٌ من الله سُبحانه وتعالى ، يقولُ رسولُنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ مِن الناس : الصِّحَّةُ والفَراغ )) رواه البُخارىّ . ومِن شُكر النعمةِ أن نُحسِنَ التعامُلَ معها ، وألاَّ نُفرِّطَ فيها أو نُسئَ استغلالَها .
ومِن وسائل استغلال الوقتِ والانتفاعِ به :
- المُحافظةُ على الصلوات ، ونوافل العِبادات .
- الإكثارُ مِن ذِكر اللهِ تعالى .
- حِفظُ القُرآن الكريم .
- طلبُ العِلم الشرعىّ .
- قـراءةُ الكُتب النافعة والمُفيدة في مُختلف المجالات .
- حضورُ دروس العِلم والمُحاضرات لعلماءنا ومشايخنا ، أو سماعُ أشرطتهم .
- المُشاركةُ في الأعمال الخيرية والتطوعية .
- تنميةُ المواهب المُختلفة ؛ سواءً كانت كتابة أو أشغال يدوية أو غيرها .
- تقديمُ المُساعدةِ لِمَن يحتاجُها قدر المُستطاع .
[size=16]-
الدعـوةُ إلى اللهِ تعالى بكافةِ الوسائل ؛ سواء على أرض الواقع ، أو عبر
المُنتديات ومواقع الانترنت المُختلفة ، أو حتى بين الأهل والأصحاب
والجيران .
فلنحافظ على أوقاتِنا ، ولا نُضيِّعها في اللهو واللعب ، ولنشغلها بالطاعة ، فـ النفسُ إنْ لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .