الضيق والملل والصمت القاتل يعم أرجاء المكان .. التفتت صوب المرآة تتأمل وجهها .. أوهـ .. هذا الحاجب أعرض من الثاني .. زفرة بقوة ثم اقتربت من المرآة أكثر .. لتجد شيء آخر .. بعض شعرت الحاجب الأيمن لم تنتفها أيضاً .. أمسكت الملقط ثم ثبتته على شعر حاجبها .. ثم بقوة انتزعته .. عادت تتأمل حاجباها مرة أخرى .. صوت الجوال يرن .. ألقت الملقط ثم التقطت جوالها
- ألو .. نعم
- ألو .. تهاني أين أنت .. بدأت الحفلة
- شوق .. أفففف .. أزعجيني .. قلت لك ساعة وأنا عندكـ
- تهاني أسرعي ,, شغلوا أغنية " آهـ ونص " مع موسيقى وقامت حنان ترقص رقص فاتن .. وفستان سمية أخضر نصف الفخذ .. شكلها جذاب جداً و هدى تسريحتها ..
- خلااااص .. انتظري ربع ساعة وأنا عندكـ
- تهاني .. تغضبين في يوم زواج حبيبتكـ أسيل ؟؟ المفروض أنت أسعد إنسانه اليوم ..
- تأوهت ثم قالت .. أنا متعبة يا شوق
- متعبة!! .. لا لا ستنسي التعب كله مجرد ما تدخلي القصر هيا أسرعي .. آآهـ تهاني نسيت أن أخبرك عن أمل ..
أغلقت الخط في وجهها .. ثم ألقت جوالها بعنف .. دنت نحو فستانها .. لبسته بتثاقل ثم انتصبت أمام المرآة كتف مغطى والآخر مكشوف وفتحت من أسفل الفستان حتى ركبتها ومن جهة البطن جزء شفاف .. تأملت نفسها ثم قالت .. أيوجد بالدنيا مثلك جمالك يا تهاني !!.. تذكرت نفسها يوم زواج أبن عمها .. الكل يشر لها ويسال عنها ..وحين وقفت على المنصة تتمايل والكل من حولها يصفق بحرارة .. ابتسمت لنفسها بالمرآة ابتسامة صفراء مصطنعة ثم زفرة بألم .. قلبها مكبل بالهم والغم والحزن .. لا تدري من أين يأتيها هذا الضيق والسواد .. تحب الأعراس بشكل جنوني .. ما إن تسمع بخبر زواج أحد قريباً كان أو بعيد .. إلا تطالب ببطاقة دعوة .. واليوم هو زواج توأم
روحها أسيل .. صديقة الطفولة وحبيبة قلبيها .. فما الداعي للحزن .. لا تدري .. تحس بعبرة تخنقها ,, وأوجاع في قلبها .. حاولت أن توهم نفسها بالفرح .. تأملت وجهها .. أصباغ على جفنيها وأوداجها .. وأخرى على شفتيها طلاء على أظافرها .. كريستالات على شعرها .. كلما حاولت الهرب من الضيق تجده كبل قيوده على قبلها أكثر اغرورقت عيناها .. ثم سالت دمعة حارة على خدها .. ملونة بأصباغ وجهها .. لم تعد ساقها تحملانها .. خطت للخلف ثم ارتمت على سريرها .. خبأت وجهها بين كفيها ثم بكت بحرقة ونشجت .. زادت سرعة ضربات قلبها دوار شديد في رأسها .. ونوبة بكاء عارمة في صدرها .. تشهق وتشهق .. فجأة يقطع صوت شهقاتها رنين جوالها .. رفعته .. نظرة
للشاشة .. " شوق يتصل بك" ضغطت على زر الصامت بعنف وألقت الجوال .. تنهدت بألم ثم قامت من مكانها خطت بتثاقل صوب شاشة التلفاز .. تريد أن تلهي نفسها بشيء ينسيها هذا الهم .. تعثرت ببعض الكتب الملقية على أرض غرفتها وسقطت .. ألتوت ساقها شيء بسيط .. تأوهت ثم رفعت كتابها من فوق الأرض .. ما إن رفعته حتى سقطت ورقة وردية صغيرة من بين صفحاته .. أثارت فضولها هذه الورقة .. التقطتها بسرعة .. فتحتها .. وجدت بداخلها خط متعرج مائل بعض الشيء .. خربشات هنا وهناكـ .. حاولت أن تقرأ ما كتب وجدت
" حبيبتي تهاني .. أحببتك حباً جما .. أنت الصديقة التي كنت أتمناها منذ زمن .. حافظة للقرآن آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ..لم يزل
عقلي لحد لحظتي هذه غير مصدقاً أنكـ أصبحت من قولي تسخرين .. ومن شكلي تهزئين .. ومن عملي تحقرين .. أنا لا زلت أحبك وأشتاق لهمسكـ ونصحكـ .. ما زلت أحمل لك كثير من وفاء وحنان أو تذكرين القهوة التي شربتها أنا وأنت بين جدران المصلى وتحت سقف الحب .. حين كانت كل الطالبات حولنا يتحلقون وأنت تقرئين قول الله تعالي " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى " آهـ يا تهاني كم كانت قراءتكـ خاشعة وصوتك عذب حرك قلب كل من جمد قلبه حين أردفتيها بدمعات نقاء و خشية .. تهاني يا حبيبتي .. تذكري أنكـ ما زلت تتنفسين .. وما زال قلبك ينبض والحياة لا زالت تقيدكـ .. أمامك فرصة كي تعودي للسعادة والراحة والسكينة .. عودي حبيبتي قبل أن تضيق بك الحياة وتغدوا معيشتكـ ضنكى .. "
اقشعر جسدها وأحست بخفقان في قلبها .. جمدت في مكانها ودارت الدنيا في رأسها .. تذكرت أيام الثانوي والمصلى .. حين كانت تركض بين الأسياب لتحجز لها مقعد في الصف الأول من المحاضرة .. تذكرت حين وقفت أمام الطالبات ثم قالت " صدقوني تكذب من قالت أنا سعيدة وهي تعصي ربها .. لأن الله تعالى يقول " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى " تذكرت أيام ما كانت تثبت المنبه على الساعة الثانية ليلاً لتقوم من سريرها تتوضأ وتفرش سجادتها وتصلي .. ثم ترفع يدها وتبكي وهي تقول " ياااارب عفوك ورضاكـ "
وقفت بفكرها .. تأملت شكلها .. ثم قامت نحو دولاب الملابس .. فتحته .. بنطال أزرق وقميص علية رسمة امرأة عارية .. تنورة قصيرة حد الركبة .. بحثت عن ملابس ترتديها تستر كامل جسمها لم تجد .. بالكاد وجدت تنورة تغطي ركبتيها وقميص عليه بعض الكتابات .. بسرعة غيرت لبسها وتوجهت نحو المغسلة .. تريد أن تتوضأ .. سألت نفسها .. من أين ابدأ .. غسل الوجه !! لا لا الاستنشاق .. !! شعرت بخجل شديد لم تشعر به من قبل أبداً .. تذكرت ,, خطوات الوضوء وبدأت تغسل يداها ,, وهي تستشعر كل ذنب اقترفه هذا الكف يسقط .. ثم
بدأت تتمضمض ونفسها تقول .. كل كذب .. استهزاء .. غيبه .. كلها ستسقط مني .. أكملت وضوءها ثم فرشت سجادتها رفعت يدها وكبرت .. قالتها من عمق قلبها المكبل بالحزن .. أنتفض جسدها و اغرورقت عيناها ثم فاضت .. خرت ساجدة ثم بكت بحرقة وأنت من عمق قلبها .. ثم قالت .. يا رب تبت فاقبلني .. يا رب تبت فاقبلني ..خفت حدت بكائها وسكنت حركتها وبردت أطرافها حشرجة روحها في حلقها .. وبدت تُنتزع من عروقها حتى خرجت من جسدها الطاهر من كل ذنب بعد وضوءها ارتفعت نحو السماء ..
وماتت تهاني .. في أحلى وضع وهيأة .. ماتت ساجدة